Skip to content Skip to sidebar Skip to footer

تحديات المجتمع المدني: معضلة ثلاثية (سورية،كردية،تركية)

يخضع تنظيم وتأسيس منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية في سوريا لقانون صدر في العام 1958، وبموجب هذا القانون يكون من شبه المستحيل تسجيل منظمة مدنية مستقلة، شهد هذا القانون انفراجًا إبان تولي بشار الأسد السلطة في سورية وهو ما مهد لانطلاق ربيع دمشق ومنظماته الرديفة لكن سرعان ما تنبه النظام السوري لخطورة هذا الوضع فقام بلجم تلك الحركة واعتقال أعضاءها وحل تنظيماتها وحظرها.
بموجب هذا القانون تأسست العديد من المنظمات المعنية بالأطفال والشباب والنساء لكنها كانت حكراً على حزب البعث العربي الاشتراكي. في أواخر العام 2015 جرى إعداد مسودة قانون (عصري) لتنظيم العمل المدني في سوريا وتم تقديمه لمجلس الشعب أملاً في مساعدة المنظمات الإغاثية والتنموية الاقتصادية لتقديم المساعدة والدعم لضحايا النزاع السوري لكن سرعان ما تم سحب القانون في مطلع العام 2016 وأعيد إقفال الملف.
هذا الوضع ليس غائبًا في بقية مناطق سوريا في مناطق المعارضة السورية لا توجد قوانين ناظمة لهذا الشأن خاصة أن المحاكم الشرعية التي تدير التشريع لا تتضمن أساسًا للعمل المدني وقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والتي تعتبر وفقا لرأيهم (بدعة غربية) وتخضع المنظمات المدنية لرقابة العسكر وتوجهات الفصائل العسكرية وتعرض الكثير منها لاختطاف نشطاءها وإغلاق مقارها.
في المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية الديمقراطية تعيش منظمات المجتمع المدني حالاً أفضل فيما لو تم مقارنته بالمنطقتين السابقتين. ويعود بروز منظمات المجتمع المدني في هذه المنطقة لعقود سابقة بحكم تواجد كردي تاريخي فيها وبالتزامن مع الإجراءات المزدوجة التي كان النظام السوري يقوم بها في مناطق سورية عمومًا قبل اندلاع حركة الاحتجاج الشعبي السوري عانى مواطني هذه المنطقة حالة من الاضطهاد المزدوج مرة كونهم جزء من الحالة السورية العامة ومرة لكونهم في صراع مع النظام السوري الذي منع التمتع بحقوقهم الثقافية وحرمهم من التعبير عن هويتهم واستخدام لغتهم واستعراض تاريخهم.
وهو ما استدعى من هؤلاء المواطنين العمل عبر منظمات المجتمع المدني في الأطر السياسية بشكل سري لإحياء لغتهم وتناقل تاريخهم والعمل المدني السلمي من أجل تعزيز الديمقراطية في سورية وحل قضية الكرد السوريين ضمن هذا التوجه فلم يعرف المجتمع الكردي حالات عنف في نضالاتهم على مدى تلك العقود بل كان التركيز الأساس على العمل السلمي المدني فتكاثرت جمعيات اللغة الكردية والثقافة الكردية والحقوقية وسواها التي ركزت على استمرارية وجود الكرد وتاريخهم.
ومع التغييرات الدراماتيكية التي حدثت في سورية بُعيد العام 2011 وسيطرة الكرد السوريين على مناطقهم تحولت حالة العمل السري للمجتمع المدني إلى العلن وتكاثرت المنظمات بشكل كبير وصل عددها في العام 2015 لما يزيد عن (150) منظمة محلية ومن مختلف التوجهات والاهتمامات والاختصاصات، إلا أن العمل المدني عانى من ضغوطات كبيرة سواء على المستوى الدولي أو المحلي بعد العام 2015 حيث عمدت تركيا التي تحتضن أكبر عدد من اللاجئين السوريين وتعتبر معقل العمل الإنساني والمدني الدولي والمحلي الخاص بالسوريين داخل تركيا وفي سوريا ونتيجة للنزاع العسكري بين تركيا والكرد واتهام تركيا لسلطة الإدارة الذاتية التي يتصدرها حزب الاتحاد الديمقراطي ((PYD)) أنها تتبع حزب PKK المناهض لها فقامت بمنع كافة المنظمات المتواجدة على أراضيها من تقديم كافة أشكال الدعم والتمويل للمنظمات العاملة في منطقة سيطرة الإدارة الذاتية الديمقراطية وتم ذلك بالتزامن مع التوافق الأوربي مع هذا التوجه حيث تعتبر تركيا حليفًا استراتيجيًا للأوربيين وزاد ذلك منع النظام السوري لأي منظمات دولية عاملة في مناطق سيطرته من التعامل بأي شكل كان مع سلطة الإدارة الذاتية الديمقراطية وتراجع العمل المدني بشكل كبير إثر تلك الضغوطات.
وعلى الرغم من تواجد قرابة المليون نازح سوري من مناطق النزاع العسكري بين المعارضة والنظام إلى المنطقة لم تتمكن المنظمات ولا (الإدارة الذاتية الديمقراطية) من تغطية الاحتياجات الإنسانية الكبيرة وأضيفت إلى ذلك جملة من الصعوبات خاصة بتراجع سيطرة تنظيم داعش في المناطق المجاورة للمناطق الكردية والتي عانى مواطنها الأمرين وواجهوا ضخامة كبرى في الآثار التي خلفها التطرف العنيف والإرهاب عليهم خاصة فئتي النساء والمراهقين والشباب وعلى الرغم من تأكيد منظمات المجتمع المدني على هذه الاحتياجات ونقلها للمجتمع الدولي لم تتراجع لا تركيا ولا حلفاؤها الأوربيون عن فكرة منع دعم العمل المدني في المنطقة وتجاوزوا ذلك لاستثناء المنطقة واللاجئين الموجودين في إقليم كردستان العراق من خطة دعم بروكسل.
وتضاف إلى ذلك صعوبات ومعوقات تتعلق بطبيعة قوانين وسيطرة (الإدارة الذاتية الديمقراطية) خاصة في الإجراءات التي تقوم بها الإدارة تجاه منظمات العمل المدني فيما يتعلق بمنع المنظمات المدنية من التعبير عن الآراء السياسية أو التوسع في إطار انتقادات الإدارة وإجراءاتها مع العبء الثقيل الذي يتمثل بالحصول على الموافقات لكل نشاطات وفعاليات تنتوي هذه المنظمات القيام بها في المنطقة.
بقلم مؤسس مؤسسة التآخي لحقوق الإنسان
Miral Cheikha