تعد هذه الورقة باكورة إنتاج مؤسسة التآخي لحقوق الإنسان، بهدف التأثير في عمل صنّاع القرار، وإثراء النقاش المتعلق بالسياسات العامة المتعلقة بالحق في تكوين الجمعيات. ومن ناحية أخرى تهدف هذه الورقة لتفعيل دور أصحاب المصلحة” المنظمات غير الحكومية” الفاعلة في الساحة السورية والكردية، لضمان تمتع الأشخاص بالحق في التجمع السلمي وتكوين الجمعيات.
فمنذ تأسيس مؤسسة التآخي لحقوق الإنسان FFHR وهي تولي اهتماماً خاصاً بالإطار القانوني المنظم لعمل الجمعيات، من خلال عملها البحثي والميداني، وتداخلها مع كافة الأطراف الفاعلة الرسمية وغير الرسمية، بهدف حثهم على تبني منظومة قانونية ومؤسساتية وإجرائية متكاملة وعادلة تقوم على مبادئ سيادة القانون والعدالة والمساواة وعدم التمييز، لتوسيع قاعدة إشراك الأشخاص في إدارة الشؤون العامة، وضمان تمتعهم بالحق في تكوين الجمعيات المعبرة عن توجهاتهم وأهدافهم الإنسانية والحقوقية.
وبغية الوصول الى قانون شامل وحديث وعادل ينظم عمل الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، ويكون متوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، التي جرى تكريسها وفقا للمادة 20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية الحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي، والإعلان الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة “الإعلان عن حق وواجب المجموعات ومؤسسات المجتمع في الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بها عالمياً وتفعيلها”، المعروف اختصاراً ب”إعلان حماية مدافعي حقوق الإنسان” (المادة5). وهى ذاتها المفاهيم والمبادئ التي أقرتها المواثيق الإقليمية لحماية حقوق الإنسان.
حيث تقع حرية تكوين الجمعيات في منطقة تقاطع بين الحقوق المدنية والسياسية باعتبار تلك الحرية حقاً مدنياً، فإنها تمنح الحماية من التدخل التعسفي للدولة أو لوكلائها الخواص عندما يرغب شخصٌ ما لأي سبب كان تكوين جمعية مع الغير أو يكون قد قام بذلك بالفعل، وباعتبار تلك الحرية حقاً سياسياً، فإنها عنصرٌ لا غنى عنه لقيام الديمقراطية وسيرها على نحو سليم ذلك أنه لا يمكن الدفاع عن المصالح السياسية بفاعلية إلا في إطار جماعي مع الآخرين.
وفي هذا الصدد تؤكد اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان في شكوى (نيجريا/هيئة المحامين) “وحرية تكوين الجمعيات إن كانت توصف بأنها حقٌ فرديٌّ، فعلى الدولة أن تمتنع أولاً وقبل كل شيء عن التدخل في حرية تشكيل الجمعيات ويجب أن تكون هناك دائماً قدرةٌ لدى المواطنين على الاشتراك دون تدخل من الدولة فى الجمعيات من أجل تحقيق غايات الجمعيات، ولا يجوز للسلطات المختصة تجاوز الأحكام العامة أو النيل من الحقوق السياسية التى كفلها الدستور والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.”
وأكدت محكمة البلدان الأميركية لحقوق الإنسان في قضية (هويلكا-نيكسي ضد بيرو) أن” حرية تكوين الجمعيات لا تتحقق في بعدها الفردي بالتسليم النظري بالحق في تكوين الجمعيات فحسب ولكن بربط ذلك الحق على نحو لا ينفصم بالحق في استخدام كل وسيلة ملائمة لممارسة تلك الحرية، ويشكل تكوين الجمعيات في بعدها الاجتماعي، آلية تتيح لأعضاء الجمعيات أن يحققوا سوياً أهدافهم ويحصلوا على مزايا حمائية لأنفسهم، ويجب على الدولة كفالة قدرة البشر على الممارسة الحرة لحريتهم في تكوين الجمعيات دون خوف من التعرض لأي نوع من العنف وإلا فإن قدرة الأفراد على تنظيم أنفسهم من أجل حماية مصالحهم تكون محدودة ومقيدة”
وفي هذا الإطار تعانى المناطق السورية التي تخضع لسيطرة الإدارة الذاتية الديمقراطية، لمزيد من القيود والتعسف تجاه الأشخاص المنخرطين بالعمل والتعاون من المنظمات والمؤسسات غير الحكومية، وامتد التعسف والانتهاك الى المنظمات ذاتها. ففي 15 يونيه2017 صدر القرار رقم(1) من هيئة الشؤون الاجتماعية والعمل بمقاطعة عفرين-سوريا التابعة للإدارة الذاتية الديمقراطية، وبمقتضاه تم حل وإلغاء ترخيص ستة من المنظمات اثنان منها مركزهم في تركيا، وأربعة مركزهم في عفرين، وذلك وعلى سند من القول ” نظراً لضرورات المصلحة العامة في المقاطعة والتزاماً بالقوانين والأنظمة النافذة فيها وبسبب عدم قيام المنظمات والجمعيات بأداء واجبها الإنساني على أكمل وجه”.
ومن المثير قانوناً خلو القرار الإداري بحل المنظمات وإلغاء ترخيصها، من ثمة أسباب قانونية أو حتى ذكر بنود وأرقام المواد محل المخالفة ؟ الأمر الذي تكون معه المنظمات بين سندان الملاحقة الأمنية ومطرقة الحل والإلغاء لمجرد صدور كتاب من” مكتب شؤون المنظمات في المجلس التنفيذي. ولم يكتفي هذا القرار بالحل والإلغاء للمنظمات الستة، فلم يفوته أن “يهدد” المنظمات الأخرى، حيث انتهى القرار في البند ثانياً ” علماً أنه في حال عدم قيام المنظمات والجمعيات الأخرى بعملها وبواجبها بشكل كامل سوف يكون مصيرها أيضاً الحل وإلغاء الترخيص”
وفي 15 أغسطس 2018وردت أنباء إعلامية تفيد إغلاق مقر (61) منظمة من قبل الإدارة الذاتية الديمقراطية. وفى ظل عدم وجود آليات قانونية وقضائية للطعن على قرار إغلاق المنظمات، يضحى الأمر خطيراً ومعوقاً بل بمثابة إعلان وفاة هذه المنظمات ورسالة ترويع وتخويف للمنظمات القائمة التي لم يطولها بعد سيف الإغلاق، وتمثل هذه الإجراءات عصفاً بواقع الحقوق والحريات العامة في المناطق التي تخضع لسيطرة الإدارة الذاتية الديمقراطية، وتمنع المواطنين من ممارسة حقهم في تكوين الجمعيات.
وهو الأمر الذي يعكس النظرة السلبية للإدارة الذاتية تجاه المنظمات والجمعيات، التي لا تدرك أهمية الدور المحوري الذي تلعبه الجمعيات بالتكامل مع مؤسسات الإدارة الذاتية وسلطاتها المختلفة، في عدد كبير من الوظائف والميادين، أبرزها: التطور والتنمية البشرية المستدامة، وتنمية اهتمام المواطن بالشأن العام، وتفعيل طاقة أفرادها وصقلها وتوجيهها وتأمين الديمومة المؤسساتية لها واستقلالها، وتعزيز الديمقراطية وثقافتها وتقوية المجتمع المدني.
وإزاء هذا الواقع السلبي تأتي مبادرة مؤسسة التآخي لحقوق الإنسان، بصياغة ورقة سياسات حول المرسوم بقانون 3 لسنة2017 ” قانون المنظمات والجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني” لتكون مدخلاً أساسياً لحراك حقوقي لتعديل البنية التشريعية المقوضة لعمل الجمعيات في المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية الديمقراطية.
الورقة التي جاءت في 26 صفحة تصمنت :
أولاً : تعاريف
– الحق في تكوين الجمعيات
– المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية
– الحق في التنظيم
– الأدوات التشريعية والقانونية ” المرسوم، القانون، اللائحة، المرسوم بقانون، اللائحة التنفيذية
– الإدارة الذاتية الديمقراطية” ميثاق العقد الاجتماعي، مناطق سيطرتها، مقاطعة الجزيرة”
– القانون الدولي لحقوق الإنسان
– سيادة القانون والنظام والأمن العام
ثانياً: مقدمة
ثالثاً: خلفية حول:
– مضمون الحق في تكوين الجمعيات
– الحقوق المرتبطة بالحق في تكوين الجمعيات
– تحديات المجتمع المدني السوري: معضلة ثلاثية ” تركية، كردية، سورية”
– جرافيك للمعاير العالمية والإقليمية للحق في تكوين الجمعيات
رابعاً: النقد القانوني : وتضمن نقد قانونياً كاملاً لمواد القانون وجاء في مقدمتها ملاحظات أولية حول:
هنالك عدد من الملاحظات الأولية على القانون أول هذه الملاحظات؛ حول الباعث على إصدار القانون؛ فقد جاء في مقدمة مرسوم القانون المنظمات والجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني ليشير إلى أنه صدر بالاستناد لأحكام العقد الاجتماعي في مقاطعة الجزيرة، وأشار أيضا في موجبات الإصدار للتدفق المستمر للمنظمات الدولية، وزيادة عدد الجمعيات المحلية ومؤسسات المجتمع المدني. وكان من المفترض أن يكون إصدار القانون باعتباره إطار قانوني لتنظيم الحق في تكوين الجمعيات الأهلية. ويؤكد ذلك أن المادة الأولى التي تناولت التعريفات اهتمت بتعريف المنظمات الأجنبية قبل أن تعرف الجمعيات الأهلية المحلية. مما يؤكد الانطباع بأن القانون صدر لمواجهة تدفق المنظمات الأجنبية أكثر من اهتمامه بتيسير حق تكوين الجمعيات.
ثاني هذه الملاحظات؛ أن القانون خلط بين منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية، فالمجتمع المدني مفهوم أكثر اتساعاً ويتضمن بالإضافة للجمعيات الأهلية كافة أشكال التنظيم الأخرى كالنقابات المهنية والعمالية والنوادي والجامعات والصحافة وغيرها من التنظيمات والهيئات غير الحكومية.
ثالث هذه الملاحظات؛ أن القانون ينبغي أن يكون مفهوماً من قبل الناس ومن قبل المخَاطَبين بأحكامه قابلاً للاستخدام والتطبيق من قبل الفاعلين في المنظمات والجمعيات والمؤسسات ومن قبل البيروقراطيين، وقابلاً للتفسير من قبل المحاكم، وأن يكون مكتوباً بلغة واضحة وليس المقصود باللغة الواضحة الكلمات فحسب بل من المهم ضرورة وضوح الأفكار في عالم الأفكار والعلوم القانونية، ووضوح المصالح والمراكز القانونية، وهو ما يسمى بصياغة واتساق النصوص القانونية.
وتحاول هذه الورقة أولا التعبير عن مشاغل المنظمات والجمعيات والمؤسسات المدنية إزاء هذا القانون وما ورد فيه من أحكام، فالنصوص القانونية في النهاية عمل بشري قد يحتمل الخطأ، وتنطلق هذه الورقة من أرضية ميثاق العقد الاجتماعي، وتسترشد بالمعايير الدولية والإقليمية لممارسة الحق في التنظيم وحرية تكوين الجمعيات الأهلية والانضمام إليه.
الخلاصة والخاتمة:
-
من الضرورة توحيد جهود المجتمع المدني من كافة الأطياف لتدشين حملة تعديل القانون والتوعية والتعريف بخطورة تطبيقه بصورته الحالية.
-
بالتأكيد يتعارض القانون مع ميثاق العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية في المواد من 20 إلى 23 التي تضفي حماية دستورية لاتفاقيات حقوق الإنسان وضرورة تعزيز حمايتها وإنفاذها في الواقع المحلي.
خامساً: التوصيات
توصيات موجهة إلى المجلس التشريعي والحاكمية المشتركة لمقاطعة الجزيرة
توصيات إلى الإدارة الذاتية الديمقراطية
توصيات موجهة إلى القضاء
توصيات إلى منظمات المجتمع المدني
سادساً: الملاحق
والجدير ذكره تم تسليم هذه الورقة في إلى المجلس التشريعي في مقاطعة الجزيرة بتاريخ 13 تشرين الأول 2018 في مدينة قامشلي ، عبر ندوة حوارية حول آليات التشريع وسن قوانين الإدارة الذاتية الديمقراطية وقانون تكوين الجمعيات.
لقراءة الورقة اضغط هنا قانون الجمعيات للإدارة الذاتية الديمقراطية : خطوة إلى الامام … خطوات إلى الخلف!!؟
ترحب مؤسسة التآخي لحقوق الإنسان بجميع الآراء والانتقادات التي من شأنها تعزيز عمليها في حماية وتعزيز الحريات المدنية والسياسية وبشكل خاص حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات عبر وسائل تواصلها المتاحة.