بدأت بعض الدوائر السياسيّة الحديثَ عن إعادة البناء في سورية. وهناك من بدأ بدراسة خيارات هذه العمليّة، وكيفيّة تعزيز دوره فيها عندما يحين الوقت المناسب. وإذ تُظهر المناقشات التي اطّلعنا عليها ارتباط هذه العمليّة بالتسويات الممكنة بين الولايات المتّحدة الأميركيّة وروسيا على وجه الخصوص، وبقيّة الأطراف الدوليّة والإقليميّة بدرجةٍ أقلّ، إلّا أنّها تبدي ميلًا للتخفّف من شروط العدالة والديمقراطيّة. كما أنّ هذه المناقشات تفترض أنّ عمليّة إعادة البناء المزمع القيام بها ستتيح للسوريّين كافةً فرصًا متساوية، وأنّ ذلك يعني أنّ كلّ السوريّين/ات –تاليًا- سيعامَلون بإنصافٍ في هذه العمليّة، إلّا أنّ الواقع يتناقض مع هذا الافتراض.
ومن موقع الانتماء للسوريّين ولسورية، ولأنّ وجودنا ومستقبلنا كمجتمعٍ مدنيٍّ مرتبط بالديمقراطيّة والسعي للعدالة، نجد أنفسنا معنيّين بالتفاعل مع موضوع إعادة البناء على أنّه المحدّد الأساسيّ لمستقبل بلدنا وشعبنا، والفاصل بين أن تكون هناك ديمقراطيّةٌ في أيّ وقتٍ، أو أن تتمّ رعاية إعادة بناء الاستبداد والظلم، الأمر الذي سيكون له تأثيرٌ طويلُ المدى. ومن ذلك أن تقوم روسيا وإيران، وسلطة الأسد، بإعادة بناء النظام الاستبداديّ، ومكافأة من شارك في قتل السوريّين من أركان النظام وأتباعهم، ورشوة قطاعات من المحبطين عبر تقديم المساعدات الدوليّة لهم على أنّها عطايا من هذا التحالف. ومن ذلك أن يقوموا بصرف معظم النفقات المخصّصة “لإعادة الإعمار” في المناطق التي يعدّونها مواليةً لهم كمكافآتٍ سياسيّةٍ، ولإعادة الأغلبيّة السوريّة التي ثارت عليهم إلى الصمت والطاعة الذليلة؛ وإن حصل ذلك، وكلّ تحرّكات الأطراف الثلاثة المذكورة تدلّ على أنّهم يهيّئون لذلك، فستكون عمليّة “إعادة الإعمار” مكافأةً من المجتمع الدوليّ لمجرمي الحرب، بدلًا من معاقبتهم، وتمويلًا لإعادة بناء نظام الاستبداد.
وليصبّ تمويل المجتمع الدوليّ لإعادة البناء في مسار صناعة العدل والديمقراطيّة في سورية، لا مناص من التشبّث بشروطٍ تضمن أن تتّجه بهذا الاتّجاه، وليس بالاتّجاه المعاكس الذي تستعدّ له روسيا وإيران والنظام السوريّ. ولذلك يجب أن يربط المجتمع الدوليّ مساهمته المتدرّجة في إعادة البناء (ويتضمّن ذلك رفع العقوبات المتدرّج) بهذه الشروط والمعايير. ومن المهمّ الإشارة في المقدّمة إلى أنّ الديمقراطيّة الضامنة لحريّة تنظيم الناس لأنفسهم، وحريّة التعبير، وحريّة الصحافة، ومشاركة الناس من التخطيط إلى المراجعة النهائيّة، هو في حالتنا، كما في أيّ حالةٍ مشابهةٍ، شرطٌ لنجاح عمليّة البناء، وإلّا ستفضي إلى نظامٍ استبداديٍّ فاسدٍ يستحيل إصلاحه، وتفكّكٍ مجتمعيٍّ مستدامٍ.
لذا، فقد ارتأت مجموعة منظّماتٍ مدنيّةٍ سوريّةٍ التقدّمَ برؤيتها عن الموضوع، وذلك سعيًا إلى:
١ – العمل لوضع محدّداتٍ أساسيّةٍ ومبادئَ عامّةٍ، وإغنائها وترويجها لضمان أن تتم عمليّة إعادة البناء وفق محدّدات حماية حقوق الإنسان والقانون الدوليّ، وأن تضمن سلمًا حقيقيًّا ومستدامًا لبلدنا.
٢ – الاستفادة من تراكم الخبرات والرؤى والتخصّصات لدى مجموعة المنظّمات المدنيّة المشاركة.
فقسوة الدمار الحاصل في سورية حاليًّا على كلّ صعيدٍ (الدولة، المجتمع، الأفراد، الأبنية…) تحتاج إلى عمليّة إعادة عمرانٍ تشاركيٍّ تتناسب مع رغبات وحاجات المجتمعات المحليّة، وهو ما سيحتاج الديمقراطيّة لفعله. فلقياس حاجات المدنيّين الأساسيّة، ومعرفة الشكل العمرانيّ الذي سيشجّع الذين نزحوا على العودة إلى أماكن سكنهم، ومراقبة عمليّة إعادة البناء من التخطيط إلى التنفيذ، والتأكّد من خلوّها من الفساد والهدر؛ يجب تمكين المواطنين من خلق آليّات تمثيلٍ محليّةٍ لهم، وصحافةٍ حرّةٍ يعبّرون من خلالها عن أنفسهم ؛ ما يعني الحاجة إلى حريّة الصحافة والتنظيم المصلحيّ (نقابات، جمعيّات، مجالس حكمٍ محلّيّ…)، ممّا سيعزّز دور المواطنين في رسم حاجاتهم، وتقييم حجم الضرر الذي لحق بكلّ منطقةٍ، لتُوزَّع المشاريع الإنتاجيّة والخدميّة، حسب الضرر الواقع، توزيعًا عادلًا.
ومن الضروريّ جدًّا إشراك المدنيّين كافّةً، بغضّ النظر عن العمر أو الجنس، بحيث تُوزَّع جهود إعادة البناء بإنصافٍ وتكافؤ، لضمان عدم ظهور مظالمَ جديدةٍ. فالتعاون والتنسيق يوضّحان ويحدّدان الأدوار والمسؤوليّات، بحيث تُضمَن الملكيّة الوطنيّة والشرعيّة والمساءلة والتنسيق بين القوى الفاعلة في مختلف المناطق، ما يفضي إلى الحدّ من معدّلات الفقر والبطالة، ورفع جودة الخدمات، وتقليل تكاليفها، وتنويع مصادر الدخل، وجذب الاستثمارات الأجنبيّة في مجال المشاريع الكبيرة، وتخفيف العبء عن ميزانيّة الدولة، وتوطين رؤوس الأموال المحليّة، وخلق فرص تمويلٍ جيّدةٍ للأسواق والمؤسّسات الماليّة المحليّة.
ولضمان حقوق جميع المدنيّين، ولنجاح عمليّة إعادة البناء، يجب وجود رقابةٍ عامّةٍ وإشرافٍ شعبيٍّ وإعلاميٍّ على هذه العمليّة لإبقاء الجميع على اطّلاعٍ دائمٍ بجميع الخطوات، ما من شأنه تعزيز سيادة القانون، وتمكين المساءلة، ومنع الانتهاكات، وغرس الثقة والشرعيّة. ومن فوائد خلق أجسامٍ رقابيّةٍ من المجتمع المدنيّ، أنّها تجذب المانحين للمساهمة في إعادة البناء، إذ ستكون لدينا كفاءاتٌ رقابيّةٌ مستقلّةٌ بمعاييرَ عالميّةٍ للإشراف على العمليّة من أجل فرض الانضباط في آليّة صرف الأموال، ومنع تسرّبها إلى شبكات الفساد والهدر، كما حصل في لبنان والعراق.
لذلك عملنا على اقتراح محدّداتٍ أساسيّةٍ ومبادئَ عامّةٍ، وإغنائها وترويجها لضمان أن يُعادَ البناء وفق محدّدات حماية حقوق الإنسان والقانون الدوليّ، وأن تضمن سلمًا حقيقيًّا ومستدامًا لبلدنا.
ونرى أنّ هذه المبادئ والمحدّدات صالحةٌ لكلّ المراحل الزمنيّة، وتشمل جميع المناطق في سورية.
وهذه المبادئ هي:
- عمليّة إعادة بناءٍ تمنع استمرار الانتهاكات، أو إعادة إنتاجها:
- عدم التعامل مع الأشخاص المتّهمين/ات أو المشتبه بارتكابهم/ن ومشاركتهم/ن في جرائمَ ضدّ الإنسانيّة، وجرائم الحرب.
- أن تكون عمليّة إعادة البناء مبنيّةً على واجب الدولة في حماية حقوق الإنسان، ومسؤوليّة الشركات عن احترام حقوق الإنسان، وتجنّب التواطؤ في جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانيّة، إضافةً إلى ضمان وصول الضحايا إلى سبل إنصافٍ فعّالةٍ قضائيّةٍ وغير قضائيّة.
- عدم استخدام أموال إعادة البناء لارتكاب جرائمَ جديدةٍ، أو لمكافأة أيّ مجرم.
- التوافق التامّ مع أحكام القانون الدوليّ لحقوق الإنسان والقانون الإنسانيّ الدوليّ.
- عدم المساس بحقوق وملكيّات المواطنين السوريّين بحجّة إعادة الإعمار عبر إصدار قوانينَ وتشريعاتٍ واتّخاذ إجراءاتٍ جائرةٍ، كما حصل عند إصدار القانون
- عمليّة إعادة بناءٍ عادلة ومبنيّة على أسس الديمقراطيّة والشفافيّة والمصلحة الوطنيّة:
- أن تقوم عمليّة إعادة البناء على شرط الديمقراطيّة، ومنها مشاركة الجمهور عبر آليّاتٍ ينظّمها بنفسه (نقابات، جمعيّات، مجالس حكم محليّ… إلخ).
- مشاركة المجتمع المدنيّ المستقلّ والحرّ، عبر مؤسّساته التي عرف عنها الشفافيّة والديمقراطيّة، كجهاتٍ رقابيّةٍ على عمليّة مراحل إعادة البناء، من التخطيط، مرورًا بالرقابة، وصولًا إلى نهاية العمليّة.
- ضمان حريّة الإعلام في مواكبة إعادة البناء بما يعزّز الشفافيّة والصدقيّة.
- الاعتماد على قوى العمل والمؤسّسات المحليّة في مراحل العمل.
- أن تؤسّس مشاريع إعادة البناء لبنيةٍ تنمويّةٍ مستدامةٍ على المستوى الاقتصاديّ والاجتماعيّ والثقافيّ والعلميّ والسياسيّ.
- عمليّة إعادة بناءٍ مستدامة وتشارك فيها المجتمعات المحليّة:
- أن تكون بنية الإدارات المحليّة تشاركيّةً قائمةً على أساس اللامركزيّة الإداريّة، ممثِّلة لشرائح وفئات المجتمع المحلّيّ كافّةً، بمن فيهم النازحون والمهجَّرون، منتخبة بشكل ديمقراطيّ، لا يشارك فيها المتّهمون، أو المشتبه بارتكابهم ومشاركتهم في جرائمَ ضدّ الإنسانيّة، أو جرائم الحرب، وأن تكون قد شُكّلت في إطار الضوابط القانونيّة لتشكيل الوحدات المحليّة، تراعي الحدود الإداريّة الرسميّة المعمول بها قبل عام 2011، يتكامل دورها مع السلطة المركزيّة، وتعمل ضمن محدّداتٍ وأهدافٍ وطنيّةٍ.
- أن يكون هناك دورٌ مهمٌّ للإدارات المحليّة التي تحقّق حدًّا أدنى من جودة التمثيل والمأسسة والخدمة، بحيث يتمّ التركيز على إشراك المجتمع المحليّ في التخطيط لإعادة البناء من خلال تحديد الحاجة، وتطوير آليّات المشاركة من خلال عقد حواراتٍ مجتمعيّةٍ حول أولويّات إعادة البناء على المستوى المحليّ، وتطوير نظام شكاوى فعّال، وأيضًا الإفادة من دور البنى الإداريّة، وبنى الحكم المحلّيّ في تحقيقه.
- أن يكون هناك دورٌ لمنظّمات المجتمع المدنيّ العاملة على المستوى المحلّيّ، والعاملة على المستوى الوطنيّ.
- أن تأخذ عمليّة إعادة البناء في الحسبان معرفة المجتمع المدنيّ بالأوضاع المحليّة، وذلك لمنع الانتهاكات أو المساهمة بها أو في جرائم الحرب ضدّ الإنسانيّة.
بناءً على اقتراح المبادئ من مجموعة العمل من أجل بناء سورية حرّة، وقّعت المنظّمات التالية على تبنّيها لهذه المبادئ:
- الأمل لسوريا
- البرنامج السوري للتطوير القانوني
- الرابطة السورية للمواطنة
- الشبكة السورية لحقوق الإنسان
- المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية
- المنتدى السوري ومؤسساته
- النساء الآن للتنمية
- اليوم التالي
- بالميرا للتنمية البشرية والمجتمعية
- بدائل
- بيت الحكمة
- بيتنا سوريا
- تجمع شباب الحرية
- تحالف شمل لمنظمات المجتمع المدني
- جمعية عبيدة
- جمعية فكر وبناء
- جمعية معًا
- رابطة الصحفيين السوريين
- رابطة النساء السوريات
- شبكة المرأة السورية
- شبكة سوريا القانونية في هولندا
- فريق أنقذوا البقية
- فسحة أمل
- كش ملك
- مبادرة ديكوستامين
- مركز الكواكبي للعدالة الانتقالية وحقوق الإنسان
- مركز جسور للدراسات
- مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية
- مركز عمران للدراسات
- مركز لاواديسا للتنمية
- مسار
- مكتب التنمية المحلية ودعم المشاريع الصغيرة
- منظمة الكواكبي لحقوق الإنسان
- منظمة المهندسين السوريين للإعمار والتنمية
- مؤسسة التآخي لحقوق الإنسان
- مؤسسة دولتي
- هيئة إغاثة سوريا
- وحدة المجالس المحلية