Skip to content Skip to sidebar Skip to footer

رسالة أرشيفية للتآخي Birati في اليوم الدولي للتسامح

على امتداد عقودٍ طويلة عاشت منطقة الجزيرة تراثاً وإرثاً من التداخلات و التشابكات الأثينية والقومية والدينية تخللتها فتراتٌ من التضارب و النزاع التي غذتها أطراف وجِهات استفادت من التناحر والتعصب وبسطت بموجبها سلطتها و وسعت من نفوذها وتحكمت بمسارات العيش عبر العزف النشاذ على هذه الأوتار إلا أن أواصر التآخي و مبادئ العيش المشترك بقيت اللاجم لتدهور تلك الحقب السوداء واستمرارها ارتكازاً على ذلك التراث والإرث الناجم عن المعاملات اليومية اقتصادياً و اجتماعياً و التي تعمقت عبر علاقات المصاهرة و الجيرة و شراكة النماذج الزراعية.
كلنا يعلم أن أي انتقال بين حقبتين لابد أن يفرز مخاضات وشواذ وشوارد من مختلف الأطياف المتعايشة لكن المقوم الأساس دوماً لهذا الانتقال يبقى رهناً بثقافة التسامح وروحية العيش المشرك و السلم الأهلي الضامن الأهم لتجنب الانجرار إلى حروب أهلية لن تجلب سوى الويل والخراب و التخلف والاستبداد القديم بصيغ حديثة لن يستفيد منها سوى النزّاعون لانتهاز الفرص تمريراً لمصالحهم الفئوية الضيقة.
إن أسس الثقافة الديمقراطية المعتمدة أساساً على شرعة حقوق الإنسان العالمية والمستنبطة أساساً من ثقافة التسامح هي الحل الأمثل لهذه التجاذبات والتواترات البينية في المنطقة انطلاقاً من استذكار اللحظات الأولى التي تعايشها أبناء المنطقة خلال المرحلة السلمية من عملية التحول الديمقراطي في سورية عامةً ومنطقتنا خاصة للمطالبة بنيل الحقوق وهو ما اجتمع عليه المختلفون قومياً ودينياً و فئوياً ولا أعتقد أنه من الممكن نسيان أو إفراغ ذاكرة تلك الجموع المشاركة في إطلاق عملية التحول والتي ينبغي العودة إليهم لاكمال عملية التحول الديمقراطي بمفاهيمها السمحة.
من الطبيعي في أية عملية تحول ديمقراطي أن تتبعها خلافات فوضوية وتنتقل إلى حالة من الإقصاء و القمع بحكم وجود بعض بؤر التوتر المستفيدة من الحرب الأهلية والتاريخ الثوري العالمي حافل بهكذا فترات و حقب و ممارسات كما حدث في الثورة الفرنسية و البلشفية و حتى في تاسيس دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي اعتمدت على الانتقال التدريجي لثقافة التسامح رغم احتياجها لعقود من الزمن ولم تحقق نظامها الديمقراطي إلا بعد أن تجاوزت حالات الفوضى الشبيهة بما يجري في منطقتنا الآن والتي ينبغي لنا من الاقتياد بها قبل الانزلاق إلى أتون حروب أهلية قد تطول لعقود على حسابات أجيالنا الواعدة وعلى حساب أمننا و استقرارنا وعيشنا المشترك.
إن التجربة الأمريكية التي حالفها الحظ ربما لامتلاكها وثيقة حقوق استندت عليها في إعداد دستورها وكانت ثقافة التسامح هي القاعدة التي استمدت منها هذه الوثيقة وهو ما يطرح اليوم و بإلحاح ضرورة صياغة ميثاق شرف للسلم الأهلي مستمداً تماماً من ثقافة التسامح.
هذا الميثاق ولضرورته التاريخية والاجتماعية والاقتصادية لا بد أن يكون نتاجاً جمعياً لأبناء المنطقة لن يكون الكردي بمعزل عن شريكه العربي أو المسلم بمعزل عن شريكه المسيحي لا أي طيف من الأطياف الاخرى بمفردها قادراً على إعداد هكذا وثيقة مالم يتم اتقان ثقافة التسامح بمفاهيمها العالمية و شرعة حقوق الإنسان ومبادئهما واتلي ستكون الفاعل المؤسس والحقيقي لأية عملية سلام و سلم أهلي.
إن المنطقة برمتها تعيش افرازات مقيتة نتيجة العنف و التعصب الممارسين كمضادات على سياسات العنف التي انتهجتها القوة المسيطرة سابقاً لذا فالضرورة اليوم تطرح مواجهة حالة العنف والتعصب القومي أو الديني أو الفئوي عامةً بمفاهيم السلام والتسامح وقبول الآخر المختلف ولابد من تحمل تبعات المفرزات التي تحدثنا عنها وتسخيرها لممارس نقيضها.
إن النقلة النوعية من مظاهر السلب العنفي و التعصب إلى مظاهر الإيجاب السلمي والسلام بحاجة أولاً إلى نشر ثقافة التسامح بشكلها الإعلامي وترسيخ مسلمات يتم الاعتماد عليها كخطوة أولى ولابد من تحريك الإعلام وضروة نقله من الحقل الهاوي إلى الاحترافية فقد كان للاعلام الدور الأهم في إنطلاقة ربيع الثورات الشرق أوسطية وسخرت معظم الهيئات الثورية والسلطوية كافة جهودها لحروب إعلامية ساهمت كثيراً في تحقيق الانتصار لهذه الثورات أو لتلك السلطات بين الحين والآخر .
لكن تحولت الوسائل الإعلامية في كثير من الأحيان لوسائل دعائية لأغراض وصلت أحياناً كثيرة للتحريض على ارتكاب مجازر جماعية فولدت حالات من الحنق والتعصب القومي أو الديني او الطائفي وما كان لأشخاص عديمي الخبرة بوجوب الحذر في انتقاء العبارات والمصطلحات إلا الدور الاهم في ذلك فتابعنا كل ما من شأنه إثارة البلبلة و النزعات التعصبية على يد هؤلاء الإعلاميين الحديثي العهد والمفتقرين للمهنية الإعلامية كحالة طبيعية لضرورات العمل الثوري واحتياج الإعلام الثوري لكوادر تستطيع نقل المعاناة التي تمر بها الحياة المدنية عامةً فتعددت وسائل الإعلام و انتشرت بكثرة في كل مكان في البلد وحاولت الهيئات أن تقوم بضخ أشخاص مهنيين لهذه الوسائل لكنها افترقت لوجود آلية ضابطة ورادعة لضخ مفاهيم تسويقية تخدم أجندات معينة لذا فمن الأفضل العمل على إعادة هيكلة الإعلام ووجوب صياغة ميثاق شرف إعلامي كجزء من الميثاق العام للحقوق والمعتمد على حرية التعبير عن الرأي بما يصون كرامة الإنسان و حقوقه وتجنبيه أية آثار لنزاعات فئوية ليكون الإعلام بلغة سلسلة و لينة تخاطب القلوب كي تتسامح و تخاطب العقول كي تسالم
إن ما ينبغي علينا عمله هو السعي الجاد والحثيث على أن تكون ثقافة التسامح حقيقة عملية لا أن تكون مجرد أفق نظري نتباهى به ونفقده مضمونه حتى نستطيع الوصول إلى مرحلة السلام والسلم الاهلي
من أرشيف المؤسسة
الحسكة 16 تشرين الثاني 2013
مجموعة صور من أرشيفنا الخاص بالسعي لبناء السلام كما بإمكانكم متابعة كافة نشاطاتنا في إطار السلام على الرابط :
برنامج السلام
فيديو توثيقي لما قام به تنظيم داعش ضد حملتنا في الرقة عام 2013


الرقة 2013 الحسكة 2014 رأس العين 2015 قامشلي 2016 تل أبيض 2016 قامشلي 2016